سورة النساء - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21)}
{أفضى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ} كناية عن الجماع {مِّيثَاقاً غَلِيظاً} قيل: عقدة النكاح، وقيل: قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} [البقرة: 229] وقيل: الأمر بحسن العشرة.


{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22)}
{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء} كان بعض العرب يتزوّج امرأة أبيه بعده فنزلت الآية تحريماً لذلك، فكل امرأة تزوّجها رجل حرمت على أولاده ما سفلوا، سواء دخل بها أو لم يدخل، فالنكاح في الآية بمعنى العقد، وما نكح: يعني النساء، وإنما أطلق عليهن ما، لأنّ المراد الجنس، فإن زنى رجل بامرأة فاختلف هل يحرم تزوجها على أولاده أم لا: فحرمة أبو حنيفة، وأجازه الشافعي، وفي المذهب قولان: واحتج من حرّمه بهذه الآية وحمل النكاح فيها على الوطء، وقال من أجازه: إنّ الآية لا تتناوله إذ النكاح فيها بمعنى العقد {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} أي إلاّ ما فعلتم في الجاهلية من ذلك، وانقطع بالإسلام فقد عفى عنه فلا تؤاخذون به، ويدل على هذا قوله: {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 23] بعد قوله: {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} في المرأة الأخرى في الجمع بين الأختين قال ابن عباس: كانت العرب تحرم كل ما حرمته الشريعة إلاّ امرأة الأب، والجمع بين الأختين، وقيل: المعنى إلا ما قد سلف فانكحوه إن أمكنكم، وذلك غير ممكن؛ فالمعنى: المبالغة في التحريم {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً} كان في هذه الآية تقتضي الدوام كقوله: {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 23]، وشبه ذلك وقال المبرد: هي زائدة وذلك خطأ لوجود خبرها منصوباً، وزاد هذا المقت على ما وصف من الزنا في قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فاحشة وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً}: دلالة على ان هذا أقبح من الزنا.


{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23)}
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} الآية. معناها تحريم ما ذكر من النساء، والنساء محرمات على التأبيد ثلاثة أصناف؛ بالنسب، وبالرضاع، وبالمصاهرة. فأما النسب فيحرم به سبعة أصناف؛ وهي المذكورة في هذه الآية، وضابطها أنه يحرم على الرجل فصوله ما سفلت، وأصوله ما علت، وفصول أبويه ما سفلت وأول فصل من كل أصل متقدم على أبويه {أمهاتكم} يدخل فيه الوالدة والجدة من قبل الأم والأب ما علَوْن {وبناتكم} يدخل فيه البنت وبنت الابن وبنت البنت ما سفلن {وأخواتكم} يدخل فيه الأخت الشقيقة؛ أو لأب أو لأم {وعماتكم} يدخل فيه أخت الوالد، وأخت الجد ما علا، سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم {وخالاتكم} يدخل فيه أخت الأم وأخت الجدّ ما علت سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم {وَبَنَاتُ الأخ} يدخل فيه كل من تناسل من الأخ الشقيق أو لأب أو لأم {وَبَنَاتُ الأخت} يدخل فيه كل ما تناسل من الأخت الشقيقة أو لأب أو لأم {وأمهاتكم اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأخواتكم مِّنَ الرضاعة} ذكر تعالى صنفين من الرضاعة وهم: الأم والأخت. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، فاقتضى ذلك تحيرم الأصناف السبعة التي تحرم من النسب، وهي الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وتفصيل ذلك يطول، وفي الرضاع مسائل لم نذكرها لأنها ليس لها تعلق بألفاظ الآية: {وأمهات نِسَآئِكُمْ} المحرمات بالمصاهرة أربع: وهن زوجة الأب، وزوجة الابن، وأم الزوجة، وبنت الزوجدة، فأما الثلاث الأول فتحرم بالعقد دخل بها أم لم يدخل بها، وأما بنت الزوجة فلا تحرم إلاّ بعد الدخول بأمها، فإن وطئها حرمت عليه بنتها بالإجماع، وإن تلذذ بها بما دون الوطء فحرّمها مالك والجمهور وإن عقد عليها ولم يدخل بها: لم تحرم بنتها إجماعاً، وتحرم هذه الأربع بالرضاع كما تحرم بالنسب {وربائبكم اللاتي فِي حُجُورِكُمْ مِّن نِّسَآئِكُمُ} الربيبة هي بنت امرأة الرجل من غيره: سميت بذلك لأنه يربيها فلفظها فعيلة بمعنى مفعولة، وقوله: {اللاتي فِي حُجُورِكُمْ} على غالب الأمر إذ الأكثر أن تكون الربيبة في حجر زوج أمها، وهي محرّمة سواء كانت في حجره أم لا، هذا عند الجمهور من العلماء إلاّ ما روي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أجاز نكاحها إن لم تكن في حجره {اللاتي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} اشتُرِطَ الدخول في تحريم بنت الزوجة، ولم يشترط في غيرها، وعلى ذلك جمهور العلماء: إلاّ ما روي عن علي بن أبي طالب أنه اشترط الدخول في تحريم الجميع، وقد انعقد الإجماع بعد ذلك {وحلائل أَبْنَائِكُمُ} الحلائل جمع حليلة وهي الزوجة {الذين مِنْ أصلابكم} تخصيص ليخرج عنه زوجة الابن يتبناه الرجل، وهو أجنبي عنه؛ كتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، امرأة زيد بن حارثة الكلبي الذي كان يقال له: زيد بن محمد صلى الله عليه وسلم {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين} يقتضي تحريم الجمع بين الأختين سواء كانتا شقيقتين أو لأب أو لأم وذلك في الزوجتين، وأما الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء فمنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم، ورأوا أنه داخل في عموم لفظ الأختين، وأجازه الظاهرية لأنهم قصروا الآية على الجمع بعقد النكاح، وأما الجمع بين الأختين في الملك دون الوطء فمنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم، ورأوا أنه داخل في عموم لفظ الأختين، وأجازه الظاهرية لأنهم قصروا الآية على الجمع بعقد النكاح، وأما الجمع بين الأختين في الملك دون وطء فجائز باتفاق {إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} المعنى: إلاّ ما فعلتم من ذلك في الجاهلية وانقطع بالإسلام؛ فقد عفى عنكم فلا تؤاخذون به، وهذا أرجح الأقوال حسبما تقدم في الموضع الأول.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9